طفت على السطح مؤخراً ( فقاقيع ) المستغربين ، واعتلت المنابر الإعلامية مرتزقة تحمل أقلامها المسعورة للطعن في الثوابت ما استطاعت ، تم اختيارها بعناية فائقة ، ثم تم الزج بها إلى مسارح الإعلام لتؤدي دورها المعد سلفاً ، فأصبحت أداوتاً محلية تُدار وفق أجندة دولية ، حيث سعت سعياً حثيثاً لتقليص هيمنة الإسلام والسعي في تغيير ثوابته من خلال نشر مخطط تغريبي مشبوه .
ولاشك أن تعرية هذا الفكر ، والجهات التابعة له ، و متابعة عمالته للأجندات التي تخالف دين الأمة وهويتها وثقافتها أمر غاية في الأهمية ، وبقدر المقدرة على بيان خفايا هذا المسلك الفاسد وتوضيحه لعامة الناس يتحدد موقف الكثير من المسلمين تجاهه من نبذ ومجافاة .
فعندما نرى حال كُتَّابنا وكاتباتنا الذين لا يألون جهداً في كتابة عدد من المتناقضات والتي تحمل كلمات متلبسة برداء الثقافة الاجتماعية وتغليبها على الشريعة الربانية ، حتى أننا عندما نقرأ لهم نحسب أن الواحد منهم أجهل من الجهل نفسه ، أو مستغرباً أكثر من الغربيين أنفسهم ! ، هذا عدا أنهم يسعون لعقد اللقاءات ، والندوات ، وورش العمل التي تدعم أفكارهم هنا وهناك ، كل ذلك يتم برعاية وتأييد متواصل يحظون به من عدة جهات غربية ! ، و سيتبادر إلى أذهان العقلاء - فقط - أسئلة منها : من أين يأتي لهم هذا الدعم ؟ وما طبيعته ؟ وماهي الأهداف المًخطط لها والتي يسعون عبثاً لتحقيقها ؟ ، وهل هناكَ أرقام يمكن رصدها فعلاً في هذا الصدد ؟!
ولعلنا نلقي الضوء على شيء من ذلك
: فقد تم صرف أرقام خيالية من الدولارات الأجنبية لدعم الأجندة النسوية والمضي قدماً لتحقيق أهدافها من خلال تقديم المنح للأدوات المحلية التي باعت دينها بعرض من الدنيا ، ومحاولة خلخلة المنظومة الإسلامية وقولبتها قيمياً ، وذلك من خلال تذويب الكيان الأسري عملياً ، ودفع المرأة المسلمة إلى ميدان لا أخلاقي دون هوية تستند إليها !
فتوالت تلك الشنشنات التي تسيدتها كلمات تنادي بحرية المرأة وتمكينها من العمل ، زاعمين أن نصف المجتمع معطل وهم يسعون لجعله يعمل مجدداً من خلال تحريرهم لها ! ، وكأن المرأة لاتعمل لدينا ، أو لايمكنها العمل حتى تتخلى عن ثوابت دينها ، علماً أن المرأة في بلادنا ولله الحمد تقبض راتباً كاملاً مقابل عملها ، وليس مايقارب 60% مما يقبضه الرجل الغربي ، كما في أمريكا مثلاً : ( حتى تحصل المرأة على نفس الراتب الذي يحصل عليه نظيرها الرجل يتوجب عليها أن تعمل طوال العام بالإضافة إلى أربعة أشهر أخرى ! ) " مايكل مور ، رجال بيض أغبياء "
فهل يسعى الغرب فعلاً إلى تمكين المرأة العربية وتحريرها وتفعيل دورها ؟! ما تريده أمريكا من إطلاق هذا المشروع هو شيء آخر يتخفى تحت هذه الشعارات البراقة ، يتلخص في ضرب مواطن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية ، ولا شك أن الأسرة الإسلامية المتماسكة هي أهم مواطن هذه القوة والمرأة المسلمة أحد أركانها ، فكل المؤشرات تدل على أن الغرب يريد أن يسوّق إلينا قسراً قوانيناً تهدم كيان الأسرة ، بحجة أنه يريد أن يسوق إلينا الحضارة والديمقراطية !!
ولاشك أن هناك فلسفة غربية تقف وراء ذلك ، لا تخفى على كل من يريد تتبع الحقيقة ، وسأكتفي بإيراد قول صريح للرئيس الأمريكي " نيكسون " خلال حملته الرئاسية : ( يجب أن نتذكر أن الغرض الرئيسي للمعونة الأمريكية ليس مساعدة الشعوب ولكنها مساعدة لأنفسنا ) " تقييم أداء المعونة الأمريكية ، ماجد رضا ، صـ 97 "
ولتسهيل وصول المعونات قامت بعض الجهات التي سأذكرها لاحقاً بفتح مكاتب رسمية لها في البلدان العربية ، والبعض الآخر تمارس أعمالها بالخفاء تحت صبغة ظاهرة محلية بيد أدوات خانت نفسها ودينها ووطنها من أجل الدولار ولاغير !
ومن أهم المؤسسات التمويلية الدولية التي تربعت دولارتها في جيوب المرتزقة :
1
- مؤسسة فورد فونديشن : وهي من أنشط المؤسسات التمويلية التي تدعم الحركة النسوية والتي وصفها " رفعت سيد أحمد" بــ ( أخطر مؤسسات التجسس العلمي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ) " اختراق العقل المصري صــ 59 " ، ويؤيد ذلك ماطرحته " سناء المصري " في كتابها تمويل وتطبيع ( هذه الإعانات ظاهرها المساعدة الإنسانية ، ولكنها في حقيقة الأمر استخدمت هذه المساعدة لدعم بحوث ودراسات تقدم عن المجتعات التي يُراد اختراقها حيث تنتهي كلها إلى مكاتب المخابرات الأمريكية ) صـ 66 .
وقد مولت فورد فونديشن سفر الناشطات إلى المؤتمرات النسوية العالمية ، وسخاؤها معلوم لجميع العاملين والعاملات في الحقل النسوي حيث بلغ إجمالي ماقدمته المؤسسة عام 2000م 7.5 مليار دولار ، ويمثلها هنا مركز ابن خلدون الإنمائي برئاسة " سعد الدين إبراهيم " الذي حاكمته الحكومة المصرية بتهمة تلقيه مساعدات أجنبية !!
2- منظمة الأمم المتحدة للتربية و والعلوم والثقافة - اليونسكو : حيث تهتم بتطوير مناهج التعليم لدينا ، وذلك بشرط أن يتفق ذلك مع أجندة الأمم المتحدة ، و هذه المنظمة تدعم من يأخذ بزمام الحديث عن مناهجنا - الدينية تحديداً – واتهامها بدعمها للإرهاب ، ويذكر " غراهام هانكوك " أن اليونسكو تنفق من أجل ذلكَ 80% من ميزانيتها التي تبلغ 370 مليون دولاراً .
3- الأميدست : هدفها نشر ثقافة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، من خلال البرامج التثقيفية وتمويل الأبحاث ، وزاد اهتمامها في السنوات الأخيرة بالبرامج النسوية ، وقد حضرتُ ذلك شخصياً من خلال عدة حلقات نقاش ودورات تثقيفية تبجل الثقافة الغربية منها لقاء كان بعنوان ( اتجاهات الفتيات السعوديات نحو قيم التحديث ) حيث تم عقد مقارنة بين مجتمعنا والمجتمعات الغربية المقدسة عند فاقدي الهوية وفاقدي القيم السوية كعبدة الدولار !
4- الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – USAID : وهي الوكالة الرئيسية التي تطبق المعونة الثنائية الأمريكية ، وتقدم القروض والمنح للمشروعات في الدول العربية في مجالات عدة منها : المرأة ، وهذه الوكالة يقول عنها نبيل عبدالفتاح : ( إن معوناتها ليست هبة ، وأن هناك ثمناً باهظاً دُفع ويُدفع ، وأنها مستودع ضخم لنقل المعلومات إلى أجهزة صنع القرار الأمريكي ) " رفعت سيد أحمد ، علماء وجواسيس ، صـ 128 " .
5- برامج مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية : حيث خصصت الولايات المتحدة مبلغ 2 مليار دولار ربعها ذاهبة لمشروعات نسوية ، بهدف تعزيز آليات المساواة بين الجنسين ، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من خلال اتفاقيات ( الجندر ، السيداو ) ، وتعزيز الإحصاءات والعاملين في مجالها وذلك للحصول على صورة خاصة بالمرأة المسلمة في الشرق الأوسط وبالتالي بناء برامج خاصة لقولبة اجتماعية عبر بوابة المرأة ولاغير !
بل ويؤكد موقع (
MEPI ) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية : أن الفرص الحالية للتمويل تتنوع مقادير المنح فيها ، وتتراوح من فئة الاستجابة العاجلة (عادة من 200.000 إلى 900.000 دولار) إلى منح رئيسية أكبر على مدى عدة سنوات وبعدة ملايين من الدولارات عادة .
فالمرتزقة بالطبع لا يكون دخلهم معتمداً على وضعهم المادي أثناء العمل ، بل يخططون لما بعد التقاعد ، فانظروا إلى مايقول هانكوك : ( ومن غير المستغرب أن هؤلاء المرتزقة الذين يأخذون أموالاً عالية قد رتبوا أمورهم لينتفعوا من هذه المزايا ، حتى لو أعفوا من خدمتهم الأساسية ، فعلى سبيل المثال تصل الفوائد لما بعد الخدمة في المتوسط لربع مليون دولار للفرد ) " سادة الفقر ، هانكوك ، صـ45 " .
وبعد هذه الأرقام والإحصائيات هل زال تعجبك من تجاوزات هؤلاء المرتزقة ؟ ولا أجد لهم وصفاً أصدق من تشبيههم بهواتف العملات فبقدر مايوضع في حصالتها تزداد تجاوزاتها ، وبقدر( دهن السير ) كما يُقال ، تجد الطعن في المناهج الدينية وفي الثوابت والدندنة على قضايا المرأة وغيرها ، لاسيما أن المثل الانجليزي يقول : إن العجلة التي تصرخ كثيراً تُعطى شحماً !
بل إن بعض هذه الأدوات دافعت عن تلك الإعانات بوصفها بالبريئة وتساءلت بكل بجاحة : ل ماذا نغلق الأبواب في وجه الدعم المادي الغربي الذي يُراد به تطوير بلادنا ، ولماذا ترفضون التحضر ، ولماذا تريدون قمع نسائكم و .. و ..الخ ، ولن نجيبهم بأكثر من حقيقة واحدة لن يستطيعوا إنكارها تتمثل في : أن جميع القوى العالمية تدرك الدور الكبير للمال وتدرك قدرته الهائلة على تنفيذ أجندته الخاصة في البلاد التي يُنفق فيها ، ولا أدل على ذلك من وقوف أمريكا بكل ما أوتيت من قوة أمام المؤسسات الخيرية الإسلامية حتى لاتتصادم جهودها مع الجهود الصليبية هناك ، حيث ضيقت عليها وعلى نشاطاتها بشكل كبير ، وأغلقت عدداً كبيراً منها ، والبقية أخضعتها للإشراف المباشر والمتابعة الدؤوبة ، فهل بلاد المسلمين أقل حرصاً على إسلامهم وسلامة شعوبهم من الصليبين على كفرهم ؟!
وختاماً :
أؤكد على أن أمتنا الإسلامية اليوم في أشد الحاجة لاستحثاث همة صاحب القلم ، و صاحب العلم ، وصاحب الفكر ، بل ويمتد الأمر بعد الخاصة للعامة ، ليقفوا جميعاً يداً واحدة ، وصفاً واحداً أمام تلك المحاولات البغيضة والتي تريد بنساء أمتنا الفساد والانحلال ، ولا سبيل إلى دحرها بعد اللجوء للمولى - سبحانه - واستمداد عونه إلا بالعمل الجاد الهادف وفق خطط مدروسة مبنية على تحليل الواقع واستشراف المستقبل ، لتكون الجهود في اتجاه واحد يجمعها هدف واحد متمثل في تعرية جذور هذا النبت الفاسد قبل فروعه !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق