الرد على الكاتب عبدالله الشريف ( 2-2)
اطلعتُ على رد الكاتب ( عبدالله فراج الشريف ) المنشور بملحق الدين والحياة بصحيفة عكاظ بتاريخ 1/1 / 1429هـ
والذي ظهر فيه كثيرٌ من التهجم الواضح على شخصي لمجرد أنني خالفته الرأي والفكر والاتجاه في ردي المنشور بتاريخ : 25 / 12/ 1428هـ في الملحق ذاته ،
فهدفنا من الحوار بالدرجة الأولى إقامة الحجة ، ودفع الشبهة ، وتوضيح الفاسد من القول والرأي ،
ومن ثمَّ السير بهدى من خلال طرق الاستدلال الصحيح وصولاً إلى الحق المراد ،
حيث حاول الكاتب من خلال رده الخروج عن هدف الموضوع الرئيس بإعادة بعض معانيه السابقة وتكراراها بلفظٍ مغاير حيناً ، والتطاول حيناً آخر ، وهذا ضربٌ من التحايل والتهرب الواضح من الإجابة على أسئلتي المطروحة في المقال السابق ، ومحاولةٍ بائسةٍ لإطالة الحوار دونما فائدةٍ تُذكر ، وكان من المفترض لمن لا يعلم أن يسألَ ويتبصَّر ، لا أن يجادلَ بغير علم !
وقد استوقفتني جملةً استهلّ بها الكاتب مقاله ، وهي الجملة الوحيدة التي اتفق معه فيها ، ومؤداها ( أنَّ هناكَ لون من الجهل بكل حقائق الدين والحياة ) ولا ريبَ أن هذا الجهل عندما يتخبط فيه من يدَّعي أنه متخصص في أصول الفقه سيضيف للموضوع بُعداً آخر ، وكان لزاماً عليَّ إيضاحُ مناحي الجهل ، والخطأ ، والتناقض الذي ترزحُ تحت وطأته أحرف الكاتب – هداه الله –
يقول الكاتب ( سلت كالعادة لأمثالها سهام الاتهام توجهها إليّ، ظناً منها أن مجرد التهم تجعل رأيها حقاً، فتجعل الباطل يرتد حقاً، وتزيف على الناس ما أدركوا من حقائق )
هلاَّ ذكر الكاتب الاتهامات التي وجهتها له صراحةً ؟ أم هو إلقاء للكلمات على عواهنها ؟!
وهلاَّ وضَّحَ قصده مما يدركه النَّاس من حقائق وقمتُ بتزييفها ؟!
وهل الحقيقة التي يُريد إثباتها ( أنَّ المرأة مصدر الشرور ) ؟!
وهل الحقيقة التي يريد إثباتها ( أنَّ المرأة تحبس في المنزل بسبب العلماء ولا تخرج منه إلا محمولةً على الأعناق لتوارى الثرى ) ؟! كما ذكرَ ذلكَ في مقاله السابق .
وهل ما طالبتُ به من إثباتٍ على صحةِ مزاعمه هذه عن وضع المرأةِ لدينا هو الباطل بمقياسه ؟!
ويتابع الكاتب بقوله ( حتى وإن صدرت فيه فتاوى من علماء أو طلاب علم لا يزالون لم يؤهلوا بعد للفتوى )
ويقول أيضاً ( والذين يشغبون بهذا التحريم كل يوم هم شباب متهورون لم ترسخ لهم قدم في العلم الشرعي )
لا أملك حقيقةً أمام هذه الجمل المتفلتة ، والتي أظن أنَّ الكاتب لم يعِ أبعادها حين كتبها إلا أن أدعو له بالهدايةِ والمغفرة أولاً ، ومن ثمَّ التساؤل ثانياً : إذا لم يكنْ الإمام ابن باز ، والعلامة ابن عثيمين – رحمهما الله - وسماحة المفتي ، والشيخ الفوزان – حفظهما الله - واللجنة الدائمة للإفتاء التي تضم بين جنباتها كبار العلماء من الفقهاء وفقهاء المحدِّثين وعلماء أصول الفقه - مؤهلين للفتوى ، فمن هو الشخص المؤهل لإصدار الفتوى عند الكاتب عبدالله الشريف ؟!
ثمَّ إنَّ قيادة المرأة للسيارة قضية قد حُسمتْ بفتوى شرعية يعاضدها قرار سياسي ، ولله الحمد والمنَّة نحن في بلدٍ يحكمُ بالشرعِ ويقدِّر علماءه ، ويقدِّر فتاواهم المدعمة بالدليل ، والمستندة على فقه الواقع ، المبنية على فقه السياسة الشرعية ، المستشرفة للمستقبل ، المقدِّرة للنتائج المترتبة عليها ، فهل الهدف من لمز العلماء الأفاضل هزّ المرجعية الشرعية في بلادنا ؟!
ويواصل الكاتب الرد بالنفي - الذي يتنافى مع أبجديات علم أصول الفقه - بقوله ( فلا دليل يا سادة على هذا التحريم لا في الكتاب ولا في السنة ولا في سائر الأدلة الشرعية، ومن لديه الدليل على ذلك يخبرنا به إن كان صادقاً )
وهُنا أكتفي بالقول : عُدْ إلى ما كتبه المؤهلون للفتوى ، وإلى فتاواهم - التي سارت بها الركبان - في الموضوع لتعلم أدلتهم من المنقول والمعقول وطريقتهم في الاستدلال في فقه النوازل .
وأما قوله ( والذريعة لا تسد إلا إذا كانت مؤدية يقيناً إلى المحرم الثابت الحرمة لا المختلف على تحريمه ) ليعلم الكاتب أن قاعدة سد الذرائع ضُبطتْ عند كثير من العلماء كالشاطبي ، والقرافي ، والباجي – بأربعة ضوابط تقنن العمل بهذه القاعدة وهي :
1- أن يؤدي الفعل – المراد الإباحة فيه – إلى مفسدة .
2- أن تكون المفسدة راجحة على مصلحة الفعل – المراد الإباحة فيه -
3- أن يكون إفضاء الفعل – المراد الإباحة فيه – إلى المفسدة مقطوعاً به ، أو يغلب على الظن إفضاؤه إليها .
4- ألا يكون سد الذريعة شاملاً عاماً وفي كل أحوال الفعل – المراد الإباحة فيه – بل بالقدر الذي يتم درء المفسدة به ، وإذا زالت الخشية من فعله زال المنع ، وعليه فليس من ضوابطها الأربعة أن تؤدي يقيناً إلى المحرم كما ذكر الكاتب !
وأما ما يتعلق بقاعدة ( فتح الذرائع ) فليست خافية على علمائنا ، ولعلّ مما قد يخفى على الكاتب أن لبعض علمائنا فتاوى محررة مكتوبة ، تجيز قيادة المرأة للسيارة في بلاد أخرى وفق ضوابط معينة ، كما لم نقرأ لهم اعتراضاً على قيادة المرأة للسيارة في البوادي، بالقرب وبرعاية من الولي والمحارم مثلاً ، وهم في ذلك يستندون إلى قاعدة أخرى هي قاعدة فتح الذرائع ؛ فإنَّ ما يمنع سدّاً للذريعة في بلد ، قد يجوز في بلد آخر من باب فتح الذريعة ، وهي بذلك من مسائل السياسة الشرعية ، والحديث في تفصيل هذا التأصيل يطول .
أما قوله أن قاعدة سد الذرائع ( لا تسد المختلف على تحريمه ) هذا كلام مردود على قائله ، فمن المقرر شرعاً أن حكم الحاكم يرفع الخلاف القائم ، فقد قال الزركشي ( حكم الحاكم في المسائل المختلف فيها يرفع الخلاف ) ، ولولي الأمر الاختيار في الأمور الخلافية والاجتهادية ما يراه مترجحاً لتحقيق مصالح شرعية ، ومقاصد مرعية ، وعليه فقرار منع قيادة المرأة للسيارة - في المملكة العربية السعودية - استند على هذه القاعدة العظيمة كونها وسيلة إلى مفاسد عظيمة يصعب حصرها في هذا المقام – وهي معلومة - وقد استشهدتُ من الواقع الغربي على ما يثبت هذه المفاسد والتي لا تخفى على الحصيف ، ولا على من أدركَ الأمور بعقله لا بهواه !
ويتابع الكاتب بقوله ( أما القائل بتحريم قيادة المرأة للسيارة فلا يزال عندي موصوفاً بأنه واهم وذلك خير من أن نقول أنه يحرم ما أباح الله بهواه ) يبدو أنَّ مصطلح الوهم لدى الكاتب قد شَعِبَ به إلى وادٍ لا يوجد به سواه ! حيث يستند على دليل ( الأصل في الأشياء الإباحة ) وهو دليل ضعيف مقارنة بقاعدة سد الذائع ، لسبب بسيط وهو أن الإباحة لسيتْ على إطلاقها بل هي مشروطة بعدم إفضائها إلى مفسدة ، وعلى سبيل المثال لا للحصر " الهدية " فهي مباحة ، وجاء في السنة أنها مستحبة لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حسن ( تهادوا تحابوا ) ومع ذلكَ هدية المدين لدائنه ممنوعة إن لم تكن بينهما عادة التهادي من قبل ، لئلا تكون ذريعة إلى مفسدة الربا – وغيرها من الأمثلة كثير - والأمر ذاته ينطبق على قيادة المرأة للسيارة كما أوضحتُ آنفاً ، فهل أدركَ الكاتب أن حاجته الماسة إلى مراجعة الذات ، والرجوع للمراجع الفقهية والأصولية أشد من حاجته إلى جرعة ماء عند الظمأ !
ويواصل الكاتب بقوله ( أما الاستشهاد بقول كاتبة أمريكية مغمورة أو الاستشهاد بخبر عن قرية أمريكية لا نعرف مدى صحته ) ويقول أيضاً ( وتزعم مرة أخرى معتمدة على دراسة بريطانية مزعومة أن قيادة السيارات لا تناسب النساء ) كون الكاتب لم يطَّلع على هذه الاستشهادات من قبل لا يخول له إنكارها دون سبب إلا لأنها لا توافق أهواءه ، وقد قيل : إنَّ أكثر الجهل إنما يقع في النفي ، الذي هو الجحود والتكذيب ، لا في الإثبات !
ويتابع بقوله ( بل وتحصر مهمة النساء في الأمومة والتربية وعمل المنزل، فهو في نظرها ما يناسب المرأة فقط واشتغالها بغيره تميل إلى تحريمه ) قد مارس الكاتب سابقاً تلبيساً مكشوفاً في وصايته على النساء والتي امتدَّ نطاقها إلى القراء أيضاً ، ويبدو أنها هوايته المفضلة ، فها هو يمارس الوصاية عليَّ أيضاً ، والتحدث على لساني ، فجعلني أميل إلى تحريم عمل المرأة المشروع ! وأتحداه أن يثبتَ ذلكَ مما قلته في مقالي السابق ، ولا أعلم ماسبب خلط المفاهيم لديه ، فقضية قيادة المرأة للسيارة قضية مستقلة تماماً عن عملها، ومع ذلكَ تَحْسُنُ الإشارة إلى أنَّ عمل المرأة في بيتها هو رسالتها الأولى السامية ، فهل أصبح هذا الدور هامشياً لا قيمة له في الحياة في نظر الكاتب التربوي عبد الله بن فراج الشريف !
ويواصل الكاتب بقوله ( ومقالاتي التي تناقش قضايا المرأة هي من القلة بحيث لا تذكر ) وبما أنها قلة نجد أن الكاتب اختزل قضية المرأة السعودية في أمور هامشية ، والتي لا تشكل أهمية لدى غالبية نساء المجتمع ، من خلال إثارة جدلية معتمدة على الاستفزاز ، مغفلة القضايا الحقيقية التي تعاني منها المرأة ، وتحتاج إلى حلها ومناقشتها ، وسبر أغوار مسبباتها ، فهل ننتظر من الكاتب حقاً أن يناقشها أم أنَّ حبر قلمه قد يجف !
وبعد كل هذه التناقضات خصص الكاتب مقالاً آخر في زاويته بصحيفة البلاد بتاريخ : 3/ 1/ 1429 هـ بعنوان ( قصة قمراء السبيعي ) ( وهو مقال أحتفظ بحقي في مقاضاته شرعاً ونظاماً ) لما جاء فيه من زعمٍ بأني أروج لأفكار جهادية متطرفة من خلال أحرف الكترونية ، لا وجود لصاحبتها على أرض الواقع ، ويقف خلف هذا الاسم رجالٌ تهيَّبوا من الرد عليه بأسمائهم الصريحة ! ، متحدياً الأخ الفاضل : د. عبد العزيز قاسم بقوله ( وأنا أتحداه أن يثبت وجود هذه القمراء المزعومة بهوية حقيقية ) كل ذلكَ لأني خالفته في الأفكار والتوجهات ، فطفق دونما تثبت يبحث عن حقيقة صاحب هذا الاسم ، تاركاً مناقشة الأفكار ذاتها مفضلاً شخصتنها ، فهداه تفكيره الفذ إلى أنَّ كاتبة المقال هي نفسها د. عبد العزيز قاسم ! فما موقفه الآن بعد أن خسر هذا التحدي الغريب ؟!
وليته يتمثل بمعنى هذين البيتين للشافعي في تجاربه القادمة حتى لا يصل إلى نفق مظلمٍ لا يوجد فيه سواه !
إ ذا حارَ أمركَ في معنيين ....... ولمْ تدرِ أينَ الخطا والصوابْ ؟
فخالفْ هواكَ فإنَّ الهوى ...... يقودُ النفوسَ إلى ما يُـعـابْ !
وختاماً : بعد تحقق الهدف من إبراز صوت المرأة في قضاياها ، ورد الحجج الواهية التي تطرح بين الفينة والأخرى على لسانها ، ولمخالفة الكاتب أدبيات الحوار ، أعلن توقفي عن الجدال ، وعدم العودة ، طمعاً فيما بشَّرني به المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً )
المقال أعلاه نُشِرَ اليوم بصحيفة عكاظ على هذا الرابط :

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق