حوار : ميرفت عبدالجبار - جدة
ما أحوج المجتمع الواعي لإسهامات المرأة في جميع الميادين ، إذ أنها جزء لا يتجزأ عن المجتمع ، بل هي اللبنة الأساسية فيه ، ولا تقف قدراتها وإمكانياتها عند جانب معين ، فهي نعم الشقيقة القادرة والمنتجة للرجل ، وبما أن طرق إنتاجها وإسهاماتها في المجتمع تتعدد وتتنوع ، كان لابد من تسليط الضوء على هذا الجانب من حياة المرأة ، الفكري تحديداً والذي تتعدد مجالاته ، منها : الكتابة الإلكترونية كونها وسيلة هامة في العصر الحديث .
وقد ساعدت الشبكة العنكبوتية على إظهار العديد من المواقع والأقلام النسائية الجادة المساهمة في بناء الفكر وثقافة المجتمع ، من هذه الأقلام الواعية ، والتي خاضت التجربة الكتابية عبر الانترنت ولاقت قبولاً كبيراً في الوسط العنكبوتي ، الأخت الأستاذة الفاضلة / قمراء السبيعي ، وذلك عبر إسهاماتها المتعددة في مواقع كبرى متفرقة ، كالساحة العربية ، والألوكة ، وأول اثنين ، والقلم ، وآسيا ، وغيرها ، ويسر جريدة المدينة أن تناقش مع الكاتبة هذه التجربة الفريدة والتي لاقت استحساناً وتعزيزاً لرأي المرأة في الشبكة العنكبوتية .
س/ بدايةً أختنا قمراء : هلاَّ عرفتنا ببدايات دخولك الشبكة العنكبوتية ؟
بداياتي قبل تسع سنوات تقريباً ، وكأي وافدٍ مستحدثٍ كان يُعدُّ عالماً مليئاً بالغموض والأسرار ، ولم نسبر أغواره إلا عندما أبحرنا فيه ، وتلقفنا مايفيدنا منه ، وباعتباري أعشق القراءة لدرجة يفوق وصفها ، كنت أجد سلوتي في المواقع الفكرية الجادة وعلى قمتها كانت الساحة العربية ، حيث تُسلط الضوء على القضايا الفكرية المعاصرة ،
لاسيما أنها تحوي بين جنبيها عدداً من النخب الثقافية ، وبعد تمعن ، وسبرٍ لها ، تمَّ انتسابي لتلك المواقع والمنتديات الجادة باسمي الصريح كما ترين .
لاسيما أنها تحوي بين جنبيها عدداً من النخب الثقافية ، وبعد تمعن ، وسبرٍ لها ، تمَّ انتسابي لتلك المواقع والمنتديات الجادة باسمي الصريح كما ترين .
س/ شاركتِ باسمك الصريح فيها ، والذي قلما يُشارك به محاور الشبكة العنكبوتية لانتفاء الخصوصية فيها ، لاسيما أن المحاور هُنا إمرأة ، فهل وجدتِ حرجاً في الكتابة به ، واقتحام أسوار الشبكة من خلاله؟
على العكس إطلاقاً ، بل اسمي الصريح كان مصدر فخرٍ واعتزازٍ لي ولعائلتي التي دفعتني مشكورة قُدماً ، وشجعتني في خوض غمار التجربة ، وعلى رأس الهرم والدي ووالدتي أمدَّ الله أعمارهما على طاعته ، مروراً بإخوتي الأفاضل ، وانتهاءاً بأصغر الهرم أختي الوحيدة حفظهم الله جميعاً بحفظه ، بل أنهم عندما أغيبُ عن الحقل الكتابي ولم أقدم الجديد يستفقدون أمري ويشدون من عزمي للعودة مجدداً ، فقواميس الشكر ومفرداته لن تفيهم حقهم ، وطالما الإنسان يدعو لمبدأ يؤمن به ويعتقده ، فلا حاجة للتخفي وراء أقنعة مستعارة ، فالاسم الصريح مطلب للدعوة إلى الحق ، والمنافحة عنه ، فالحرج هُنا يتوارى ، والاعتزاز يتربع .
س / وما الذي دفعكِ للكتابة في رحاب الشبكة العنكبوتية ؟
كنتُ ومازلت أضع أمام نصب عيني : أن الإبداع رسالة ، وعندما تكتب رسالةً وتجاهد لإيصالها لابد أن يكون في ذهنكَ متلقياً ، وإلا ضاعت هباء ! فمن أوائل الأمور التي دفعتني للكتابة في رحاب الشبكة تواجد شريحة كبيرة من القراء لا يستهان بها حيث نزحت إلى القراءة الالكترونية عوضاً عن القراءة الورقية ، ولا أدل من ذلكَ إلاَ الأرقام الكبيرة للقراء التي تسجلها المواضيع المطروحة ، بالإضافة إلى اتساع دائرة الحرية فيها والتي لاتخضع لإملاءات كائن من كان .
س/ صفي لنا تجربتك الكتابية عبر الإنترنت ؟ وما الذي شجعك على الاستمرار فيها ؟
تجربتي تعد تجربة بسيطة أمام من سبقوني ، فمازلت تلميذة من تلامذة الشبكة العنكبوتية واسعة الرحاب ، بدأتها كما ذكرتُ آنفاً ، قارئة ، وسابرة ، ثم مشاركة ، واجهتُ صعوبات كما هي البدايات دائماً ، ولكن لعلو الهمة ولله الحمد ، ومن ثم تشجيع من حولي في محيط الأسرة ، والأقارب ، والأصدقاء ، والتعليم - جزاهم الله خير الجزاء - فكان الاستمرار والإصرار على إيصال الرسالة التي من أجلها أكتب ، والتوفيق من عنده سبحانه ، وأحسب أني مازلت في بداية الطريق ، ومما يبشر بالخير أن المواقع الحوارية الجادة والتي تتخذ من الوسطية شعاراً ، ومن النخب الثقافية أقلاماً في ازدياد ولله الحمد ، وأسعد دائماً بالأقلام النسائية الجادة التي تتميز بالوعي لما يطرح حولها من حراك ثقافي ، لاسيما أن المرأة وقضيتها تتربع على هرم القضايا المثيرة للجدل حالياً ، وخير من يدافع عن قضيتها ويجلو الغمامة من حولها هي المرأة نفسها .
س/ مانوع الكتابة والرسالة التي توجهينها في مقالاتك للمجتمع بشكل عام وللمرأة بشكل خاص ؟
رسالتي تتمحور في نشر الوعي لكل من ينادي بإصلاح وضع المرأة السعودية ولكل منساق خلف هذه القضية ، حيث أؤكد أننا ننشد الرفعة للمرأة ونشدد على يد كل من ينادي بعلاج المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمع على أن يتخذ المرجعية الإسلامية ( القرآن الكريم ، والسنة النبوية ) ملاذاً ومرشداً ، والتصحيح يكون نابع من نصوصهما ، ولنا في الآية الكريمة خير دليل ومرشد ( قل إن هدى الله هو الهدى ) لا أن يتم حصر تلك المشكلات وفق الأهواء والمناداة بالنموذج الغربي وكأنه المنقذ والحل الوحيد لمعاناة المرأة !
فعندما نمنح المرأة كامل حقوقها المشروعة ، وننظر لها النظرة الإسلامية الصحيحة ، فلن يستطيع الإعلام الغربي أو غيره تشويه صورة نسائنا ، بل ستكون المرأة المسلمة هي النموذج الأمثل والقدوة لنساء العالم أجمع ، وبالمقابل علينا أن نفتح ملف المرأة الغربية ونبين إلى أي مدى وصل الظلم عليها هناك من امتهان واحتقار من قبل الرجل الغربي والذي يستخدمها كسلعة يتاجر بجسدها !
فنحن بحاجة لاستحثاث همة صاحب العلم ، صاحب الفكر ، صاحب القلم ، بالإضافة إلى الهيئات العالمية الإسلامية للوقوف بقوة تجاه تطبيق بنود الاتفاقيات العالمية الخاصة بالمرأة والتي تتعارض مع شريعتنا السلامية
س/ ما رأيك بفكر المرأة السعودية بشكل عام ، وهل ترينها استطاعت مواكبة التغيرات من حولها ؟
المرأة السعودية أثبتت وجودها بقوة في مسيرة الحراك الثقافي ، وسجلت حضوراً لافتاً في جميع المجالات المختلفة عالمياً وإقليمياً ومحلياً ، فلغة الأرقام والإحصائيات تثبت تفوقها ، بل وترد على كل من يحاول الانتقاص منها باسم التحضر والانفتاح اللا محسوب !
منها على سبيل المثال لا للحصر : أن المرأة السعودية وحسب المؤشرات للهيئات الدولية تعتبر من أكثر النساء مشاركة في المجال الاقتصادي على مستوى العالم العربي ، بالإضافة إلى أن عدد النساء اللاتي يشغلن مناصباً إدارية عُليا في المملكة بلغ 12508 ، و بنسبة تبلغ 7.2 % ، بالإضافة إلى أن أول عملية ناجحة لزراعة الرحم كانت تقف خلفها سعودية وكذلك اكتشاف علاج للسرطان المأخوذ من المواد الموجودة في بول الإبل ، بالإضـافة إلى ثـورة في اكتشافات خلايا الدم وغيرها الكثير .
هذا عدا أن لدينا قاعدة لايستهان بها من الأكاديميات ، العالمات ، المخترعات ، المعلمات ، الفتيات المبدعات ، ساهمن في التنمية مكونات هرماً من العطاء يتصاعد باستمرار نحو الأفضل وتمده جذور من العطاء لا تنضب ينابيعها ، وحصر – رأيي الخاص - في أسطر قليلة يعد ظلماً للمرأة السعودية التي أبهرت كل من ينظر بعين الإنصاف ، وترد بقوة على كل زاعمٍ أن نصف المجتمع معطِّل أو مشلول الحركة !
س/ ماهي الإيجابيات والسلبيات التي ترينها في الشبكة العنكبوتية؟
لاشك أن الانترنت نعمة عظيمة ، منَّ الله بها على عباده وتفضل ، ومن الصعوبة إحصاء سلبياته وايجابياته في أسطر قلائل ولكن سأقف على أبرزها :
فمن الايجابيات : توفير كثير من الوقت والجهد عند البحث عن أي معلومة ، بالإضافة إلى انتشار الكتب والوثائق الالكترونية لطلبة العلم وذلكَ بضغطة زر واحدة ، بالإضافة إلى الرد على الشبهات التي تحاول الحط من قدر الإسلام و تقدمه بصورة مغلوطة وتفنيد ذلكَ بالأدلة والبراهين ونشرها على نطاق واسع ، كما يمكن الرد على القضايا الفكرية المستحدثة التي تلتبس على العامة ، كما يمكن متابعة المحاضرات الدينية مباشرة بالصوت و الصورة في بعض المواقع الإسلامية ، وغيرها الكثير .
ومن السلبيات : عدم حفظ الحقوق للكتّاب وانتشار السرقة الفكرية بشكل كبير ، والإدمان المتواصل الذي يؤدي إلى انفراط العقد الأسري والذي بدوره يؤدي إلى خلخلة التواصل الاجتماعي والميل إلى العزلة ، وبالإضافة إلى عدم التثبت في نشر المعلومات التي ربما تكون مغلوطة عن أناس غافلين تجاهل ناقلها مع الأسف توجيه الذكر الحكيم : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ، بالإضافة إلى انتشار بعض المواقع ذات التأثير السلبي العقدي ، والفكري ، الأخلاقي .
س/ معلوم أن حقوق الكاتب في الانترنت غير محفوظة ، هل تعرضت لسرقة مقالاتك وكيف تعاملتِ معها ؟
كما ذكرتُ لكِ في إجابة السؤال السابق أن أبرز السلبيات في محيط النت هي عدم حفظ الحقوق للكاتب الأصلي ، فالكاتب الذي يحترم قرائه لايقدم على هذا الفعل السيئ ، ولكن الشبكة العنكبوتية لاتخلو من ضعاف الـأنفس ، وسارقي الجهود ، وكغيري أعاني من سرقة المواضيع ، ولم أعد استغرب سرقة مقالاتي بل الغرابة تكمن في عدم سرقتها ! ، فقد كانت السرقة في البدايات تزعجني ، وأخاطب من قام بهذا الفعل عادةً ، بعضهم يتراجع خجلاً ويذيلها بمنقول عن فلانة أو ماشابه ذلكَ ، والبعض يتجاهل التنبيه ، ولكن بعد ذلكَ لم أعد أحرص على تتبع مقالاتي وهل تسرق أم لا ، فبالتأكيد يسعدني انتشارها وإن كانت لاتحمل اسمي كتوقيع لها ، فالمهم أن تصل رسالتي ولو خلا منها اسم المُرسِل !
س/ كيف توفقين بين الكتابة ومشاغلك الأخرى ، وهل هناكَ تعارض ؟
بالتأكيد لكل شخص التزامات لابد من قضائها على الوجه الأكمل ، وكذلكَ الأمر بالنسبة لكتابة أي موضوع عندما تخطر على بالي فكرته تعد التزاماً بالنسبة لي و لابد من إنهائه على أكمل وجه ، فأنا احترم قارئ أحرفي كثيراً وأحرص على أن يستفيد من مقالاتي بالمعلومات التي أقدمها له أو من خلال الأطروحات التي أناقشها ، ويقدر الإمكان أحاول الموازنة بين التزاماتي الأخرى وكتابتي للمقالات وإن كانت تعد جهد المقل ، وأسأل الله المدد والعون والتوفيق من عنده سبحانه .
س/ كلمة أخيرة توجهينها للمرأة ؟
كلمتي ستكون وصية لأخواتي الفاضلات : لابد أن نعي أن التحدي الذي يواجه أمتنا الإسلامية يتلخص في ضرب مواطن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية ، ولا شك أن الأسرة الإسلامية المتماسكة هي أهم مواطن هذه القوة وأحد أركانها المرأة ، ورحم الله من وصف منزلة المرأة فأجاد بقوله : ( إن المرأة تهز المهد بيمينها ، وتهز العالم بشمالها ) ، ولاشك أن عملية الاستهداف هذه تتطلب منا كمسلمات استيعاب الهجمة الحالية بعيداً عن الانفعال الوقتي و الاستجابة العفوية ، و التسلح بالصبر ، بالإضافة إلى التبصر بكيفية إدارة هذه المعركة الثقافية .
فلسنا بحاجة إلى تحسين صورة المرأة السعودية أمام العالم الغربي - كما يتردد حالياً – بل نحن بحاجة لاستحثاث الهمم وعدم العزوف عن هذه القضية الهامة ، فخير من يدافع عنها هي المرأة نفسها ، فمعركتنا لم تعد معركة هزيمة ونصر بل هي معركة وجود ولاوجود .
فإياكِ و الإحباط ، والاستكانة ، والركون ، والتولي ، وتذكري قول الله تعالى : ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) فأول الغيث قطرة ، ومانراه في الأفق من جهود خيِّرة لهو بشارة خيرٍ لنا جميعاً ، وإن غداً لناظره قريب.
وفي الختام أسأل الله العلي العظيم أن يوفق الجهود الداعمة للخير ما استطاعت ، والشكر الجزيل لجريدة المدينة على تفضلها بإجراء هذا الحوار الذي أسأل الله العلي القدير أن ينفع به ، و مباركُ قدوم شهر الرحمة والمغفرة ، وكل عام وجميع المسلمين بخيرٍ .
في الختام نشكر للأخت الفاضلة : قمراء السبيعي هذا الحوار الذي شرفتنا به ، ونتمنى لها ولكل فكر نير يساهم في بناء المجتمع التوفيق والسداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق